الفكر
الإسلامي
التقاليد
البدعية في الأفراح والأتراح
بقلم : الشيخ الجليل المربي الكبير العلامة
أشرف علي التهانوي
المعروف بـ Kحكيم الأمةJ المتوفى 1362هـ
/ 1943م
تعريب : أبو أسامة نور
هناك
كثير من التقاليد التي نتبعها لدى الأفراح والأتراح ، هل يجرؤ أحد أن يقول : إنها
إسلامية وليست متصادمة مع الشريعة الإسلامية ؟ وإذا كان هناك من لا يعلم ما إذا
كانت إسلامية أو غير إسلامية ، فعليه أن يقرأ الكتب التي أُلِّفَتْ في إبانتها .
ومن كان من هؤلاء الذين لايعلمون ذلك موجودًا في هذا الحفل (الذي أتحدث فيه)
فليستمع إلى بعض ما أقوله في هذا الشأن بهذه المناسبة .
إن
التقاليد التي نتبعها لدى الأحلام والأحزان، قسمان : قسم ظاهر قبحها كل الظهور ،
ولذلك اجتنبه كل الاجتناب الشرفاء والطيبون من الناس ، ولا يتلبّس به إلاّ أسافل
الناس وفسقتهم . مثل الرقص والطرب والغناء والتلاعب بالألوان . وقسم لايظهر قبحه
وشناعته بشكل جليّ ، فيتورط فيه كل من العوام والخواصّ ، حيث يعتقدون جوازه ، بل
كثير منهم يرتكبونه ثم يزعمون أنهم لازموا التقوى قائلين : إننا لم نمارس أي تقليد
غير شرعي بمناسبة الزواج ، فلم يُعْقَدْ لدينا حفل الرقص والموسيقى والأغاني
البذيئة ، فلم نرتكب إثمًا ! فأدّلكم على المعاصي التي ارتكبتموها ظانين أنكم ما
ارتكبتم شيئًا منها . ولكي أدلكم عليها أسائلكم ما إذا كنتم تعرفون ما هو الإثم
والمعصية. فاعلموا أنّ الأمر الممنوع شرعًا هو الإثم سواء أكان رقصًا أو غيره ،
لأن الرقص إنما حَرُمَ لأن الشريعة حَرَّمَتْه؛ فلا بدّ أن نعلم ما إذا كانت
الشريعة حَرَّمَت التقاليد الأخرى أيضًا ، كما حَرَّمَت الرقص ؛ وقد فَصَّلنا
القول في ذلك في كتابنا «إصلاح
التقاليد»
.
وأوجز
القول بهذه المناسبة فأقول : إن الجميع يعلم أنّ الله تعالى في كتابه وأن رسوله ﷺ
في حديثه شَنَّعَا على التكبر ، فقال تعالى : «إنَّ
اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُوْرٍ»
(لقمان /18) وقال ﷺ: «لا
يدخل الجنّةَ من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء»
(رواه مسلم في الإيمان ، باب تحريم الكبر، 1/65) وقال : «من
لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة»
(رواه ابن ماجة في كتاب اللباس ، باب من لبس ثوب الشهرة ، ص : 255) فدلّت الآية
والحديث أن ممارسة أي عمل تكبرًا واختيالاً حرام. وفي حديث «من
سمّع سَمَّع الله به ومن يراء يراء الله به»
(رواه البخاري : في كتاب الرقاق ، باب الرياء والسمعة، 2/962) ولننظر إذاً ما
نفعله في مناسبات الزواج ، والذي نطلق عليه أسماء حسنة وعناوين خلاّبة ، من إقامة
مأدبة للإخوان ، وإهداء جهاز للبنات ، لننظر ما إذا كان ذلك وغيره نقصد من ورائه إرضاء
الله أو إرضاء الناس واتباع روح الرياء والخيلاء . أيها الإخوة ! إن الحقائق لا
تتغيّر بمجرد تغيّر الألفاظ ، وإطلاق العناوين الجذابة . إنّ الأصل هو النية ،
فلننظر إذا كانت صالحة أو فاسدة . أفليس أننا نمارس هذه التقاليد كلها شهرة ورياء
؟ إننا نهدي الطعام الجاهز إلى الأخوات ، أفلم يكن أخوات قبل هذه المناسبة ؟
فلماذا لم نعرهن بالاً ونتناولهن بعناية ما، هل ترحّمنا على فقرهن . ثم إن ذلك إذا
كان كصلة رحم منّا ، فلماذا نتقيّد بعرضه على أفراد أقاربنا ، هل كنا قد جمعناهم
ليلاحظوا ما شريناه للبنات من الثياب وما أطعمناهن من الأطعمة وأشربناهن من
الأشربة ؟ إذا لم نصنع ذلك بهذه المناسبات ، فلماذا نحشد أفراد الأسرة والأهل
والأقارب لدى إقامة المآدب وقت الزواج أولدى إهداء الجهاز إلى البنات . إنّ ذلك إن
دلّ على شيء فإنما يدلّ على أننا نصنع ذلك كله رياءً وجريًا وراء الشهرة ، وما
يُصْنَع لهذا الغرض ، لايكون إلاّ حرامًا كما يؤكد ذلك الأحاديث ، فهذه التقاليد
وأمثالها لاتكون ممارستها إلاّ ارتكاب الحرام وما لايجوز في الشريعة .
تقليد
«النيوتة»
ولا
سيّما تقليد تبادل «النيوتة»
التي هي أسوأ التقاليد التي يتبعونها في مناسبات الزواج ، حيث إنه من الشناعة
بمكان قد لايُغْفَر حتى بالتوبة ، لأنهم يمارسونه تعبّدًا ، ويفتخرون به . والناس
يعتقدون تقليد «النيوتة» أنه تبادل
قرض حسن ، ويظنونه تعاونًا بين الإخوان ، والتعاون المتبادل عبادة ، فممارسة «النيوتة» عبادة
يقومون بها احتسابًا . وسأوجز لكم الآن ما يبين أن هذا التقليد أسوأ تقليد ، وما
أقوله ليس شيئًا غريبًا وإنما هو شيء عادي ولكنكم لم تنتبهوا له لما يشتمل عليه من
السوءات . فأقول : إنّه لن ينكر أحد منكم أن تعاطي «النيوتة» هو تعاطي
القرض، والقرضُ واجبٌ أداؤه ، والمُقْرِضُ تركتُه تكون بعد موته ملكًا لورثته ،
سواء أكانت عينًا أو كانت قرضًا على أحد ، فمثلاً : إذا مات أحد وكانت مائة روبية
موجودة لديه وكانت مائة روبية أخرى دينًا له على شخص أو أشخاص ، فتعبر تركته مائتي
روبية فيتم توزيع هذه التركة كلها على الورثة . ولننظر الآن – بعد ما علمنا هذه
المسائل الثلاث – في حقيقة «النيوتة» فأقول :
إنه يحدث فيما يتعلق بها أن رجلاً – مثلاً – أعطى روبيين روبيتين خمسة عشر رجلاً
فكان المجموع خمسين روبية مُوَزَّعة – على نحو قرض – على خمسة عشر رجلاً فاتفق أن
مات الرجل ، وخلّف ابنين كان أحدهما بلغ الرشد والآخر لم يبلغه ، فتوزعا ما كان
موجودًا في البيت من التركة إن كان الأخ البالغ أمينًا ، ولكن القرض الموجود
الموزع ضمن تقليد «النيوتة» لا يتم
توزيعه حسبما يجري العرف، فيحدث أنه إذا تمّ زواج أحد أولاد الأخ الكبير البالغ ،
فيعطي الناس القرض الواجب عليهم في شكل «النيوتة» هذا الأخ
الكبير الذي ينفقه كله بدوره في مصروفاته ، ومعتقدًا أنه هو المستحق له وحده دون
أخيه الصغير ، على حين إنه لم يكن مستحقًا إلاّ لخمس عشرة روبية من الخمسين روبية
. ومثل هذا يحدث في جميع أنواع «النيوتة» ولا
يستطيع أحد أن يدلّني على أن رجلاً وزّع المال الموزع ضمن تقليد «النيوتة» حسب قانون
الفرائض المقرر في الشريعة . وعلى ذلك فإحدى المعاصي التي ارتكبها الأخ الكبير هي
أنه أكل مال أخيه اليتيم الذي جاء في التشنيع على أكله في كتاب الله عز وجلّ : «إِنّ
الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ أموال الْيَتـٰـمـٰـى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُوْنَ
في بُطُوْنِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيْرًا»
(النساء/10) كما استحق المعيدون لمال النيوتة إثمًا آخر وهو أنهم أعادوا المال
المشترك إلى شريك واحد ، والعجيب أنهم يظنون أنهم قد تبرؤوا من الذمة وأدوا
الأمانة إلى أهلها ، على حين إنهم لم يعيدوا الخمس والعشرين روبية لليتيم : الأخ
الصغير . وقد جاء في «الدرالمختار» أن أحدًا
إذا بقيت عليه ثلاث بيسات لأحد ، لتنزع منه سبع مائة صلاة لصالح المقرض . وذلك إذا
كان مال «النيوتة» قد تسلّمه
ابن المورث مباشرة . وإذا درجت أجيال ثلاثة أو أربعة وجر لأحد ، لتنزع ن إنهم لم يعيدوا الخمس والعشرين روبية لليتيم :
الأخ الصغير . أنهم يظنون أنهم قد ت المناسخة فلا يعلم إلاّ الله وحده
الأشخاص الذين استحقوا نصيبًا من الإرث .
ولو
قال أحد : إن هذا التقليد جاء منذ الآباء والأجداد لقلنا : إن هذا العذر غير مقبول
، لأنه لو قبل هذا العذر لما كنا اليوم مسلمين ، حيث لم نتشرف بالإسلام ، إلاّ
لأنّ آباءنا تركوا ما كان عليه آباؤهم من الشرك والكفر وطقوس الجاهلية. والعلاج
الوحيد لهذا الداء أن نبحث عن المستحقين، ونؤدي الدين لصالح كل من لهم حقّ فيه ،
ونقلع كليًّا عن ممارسة هذا التقليد غير الإسلامي . فتقليد «النيوتة» سيء
للغاية وإن كان الناس يمارسونه عبادةً مثابًا عليها . وإذا كان هذا – الذي يبدو
تعاونًا مع الفقراء وذوي الدخل القليل – واجبًا تركه ، فكيف بغيره من التقاليد
والأعراف الجاهلية؟ .
* * *
* *
مجلة الداعي
الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم 1426هـ = فبراير – مارس
2005م ، العـدد : 1 ، السنـة : 29.